موقع إخباري شامل

“الأخبار الزاىفة في ضوء التشريع والعمل القضاىي والصحفي…”

الغبزوري السكناوي

0

أصبح الإهتمام بالإعلام ووسائله يحتل مساحة مهمة من انشغالات الأفراد والجماعات والمؤسسات، وبدأ إنتاج المعلومات وتوزيعها أو بثها يتحرر تدريجيا من كل الأَطْواقٌ نتيجة ذلك التزاوج الذي حدث بين المعلوميات وتكنولوجيا الإتصال، حيث ظهرت أنماط جديدة من الإعلام وبالخصوص بعدما شهد العالم الثورة الإتصالية الخامسة التي أسست لمجتمع الإنفجار الرقمي.
فلا أحد، اليوم، ينكر أن وسائل الإعلام مستها تحولات عميقة فسحت المجال لعامة الناس لإنتاج المعلومات وتقديمها للمتلقي، وأخذت هذه. الممارسة الإعلامية تسميات مختلفة مثل “إعلام المواطن” و”الإعلام مفتوح المصادر” و”إعلام الشارع” و”الإعلام البديل” وعند أخرىن “الإعلام التشاركي” أو “التفاعلي” وأيضا “التعاضدي”، فيما البعض الأخر أجمل كل هذه الأنواع في إطار الإعلام المدني.
وإذا كان العالم، الذي أصبح قرية صغيرة، يواجه في هذا الإطار تحديات مختلفة، سواء على مستوى العلوم والمفاهيم والنظريات المؤطرة للفعل الإعلامي، أو على مستوى الإنعكاسات فإن هناك مجنمعات تبدو وكأنها لم تستوعب، بعد، هول الصدمة النانجة عن هذا “الطوفان الرقمي” الذي لم يؤثر على طرق ومصادر إنتاج المعلومات، وفقط، وإنما حتى على أساليب بثها واستهلاكها.
وفي هذا السياق أضحى الجميع منشغلا بسؤال الضبط المنشود وبكيفية خلق التوازن الواجب بين الحرية والمسؤولية، ومدى فعالية التقنين والزجر، خاصة وأننا أمام تحولات متسارعة فرضتها “الحتمية التكنولوجية” و”التفجر في المعلومات” وهي التحولات التي ساهمت فيها بشكل كبير الثورات المتعاقبة في عالم تكنولوجيا الإتصالات، كان أخرها الثورة الإتصالية الخامسة.
تطورات وضعت الجميع أمام تحديات جديدة، وأفرزت داخل المجتمع ظواهر تسائل أليات الضبط القانوني والأخلاقي وكيف يمكن ترشيد الأداء الإعلامي الرقمي، وما هي السبل المثلى لتوظيف الأشكال الجديدة من الإعلام لفائدة المجتمع ولخدمة تماسك كيان الأسرة في مواجهة منظومة أخلاقية جديدة أصبحت فيها الإثارة والتضليل مسيطران على جميع مناحي الحياة
وإذا كان التضليل وانتشار الأخبار الزائفة ظاهرة جد قديمة، فإنها اتسعت بشكل كبير في العصر الحديث حيث تطور وسائل الإعلام والإتصال بشكل لافت للانتباه مع ما صاحب من إمكانيات تقنية استطاعت ان تفسح المجال لعامة الناس لإنتاج المعلومات وتقديمها للمتلقي، وفي ظل هذا الوضع بدأت العديد من الأسئلة تتناسل بشأن ظاهرة الأخبار الزائفة، وبالخصوص على مستوى القانون والأخلاقيات، ومن بينها ما حاول الأستاذ عبد العزيز البعلي أن يثيره في مؤلفه الجديد الموسوم ب “الأخبار الزاىفة في ضوء التشريع والعمل القضاىي والصحفي: دراسة مقارنة” حيث انطلق في دراسته العلمية، هذه، من طرح جملة من الأسئلة والإشكالات القانونية والمهنية.
——-
الباحث في الشؤون القانونية والقضائية، الأستاذ عبد العزيز البعلي، حاول في كتابه الصادر مطلع هذه السنة (2024) الإجابة على العديد من الأسئلة التي باتت تشغل بال المهتمين بالمجال الإعلامي، من المهنيين أو من رجال القانون، من قبيل كيف عالج المشرع المغربي ٱفة الأخبار الزاىفة؟ هل تكفي الترسانة القانونية المتوفرة حاليا للتصدي لهذه الظاهرة الإعلامية الخطيرة؟ وكيف تصدى القضاء المغربي للأخبار الزائفة؟ وما هي الإشكالات القانونية والعملية التي يطرحها هذا النوع من لقضايا؟
الأستاذ البعلي لم يقف عند هذا الحد، بل تناول أيضا دور ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة في الحد من ترويج الأخبار الزائفة؟ ودور المجلس الوطني للصحافة في تنزيل هذا الميثاق؟ وما هي الإكراهات التي تضرب في العمق مفهوم الأخلاقيات؟ وهل يمكن الحديث عن بداية تأسيس منظومة جديدة لأخلاقيات مهنة الصحافة في خضم التحول الرقمي؟ وأخيرا السؤال/ الإشكالية المتعلق بمدى كفاية المقاربة التشريعية، القضائية، المهنية والأخلاقية في تحقيق الغاية المنشودة؟ أم أنه يتعين إيجاد آليات أخرى في إطار مقاربة شمولية تكون أكثر ناجعة؟
كل هذه الأسئلة، وغيرها، حاول الأستاذ عبد العزيز البعلي أن يتصدى لها في مؤلفه الجديد المنشور ضمن العدد الأول من سلسلة فقه القضاء للابحاث والدراسات، أولا من موقعه كباحث وثانيا كممارس متمرس في مجال القضاء، حيث أشار في مقدمة هذا الكتاب الصادر عن مطبعة الأمنية- بالرباط إلى أن “موضوع الأخبار الزائفة يكتسي اهمية وراهنية بالغتين بحكم استئثاره الدائم باهتملم وشغف المهنيين والمختصين والمهتمين من رجال القضاء والقانون والإعلام والجامعة.
وقبل المرور إلى المتن لا بد من الإشارة إلى الإعتبارات التي كانت وراء اختيار الباحث لهذا الموضوع حسث أشار في عتبة المقدمة إلى “ارتباط الأخبار الزاىفة بحرية الصحافة كتجسيد لحرية التعبير وما يعقبها دوما من نقاش عمومي حول حرية الصحافة في نشر الأخبار، ومسؤوليتها الأخلاقية قبل القانونية والدستورية” و”ما أضحت تمثله الأخبار الزائفة من تحد مجتمعي كبير، ليس على الصعيد الوطني وحسب، وإنما كذلك على الصعيد الدولي، بفعل التقدم التكنولوجي الهائل الذي عرفه مجال الاتصال والتواصل الرقمي، وما وفره من بيئة خصبة لتداول الأخبار الزائفة، أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لمهنة الصحافة في حد ذاتها”
الكاتب ضَمَّنَ مؤلفه فصلين تناول في الأول موضوع التصدي للأخبار الزائفة في ضوء التشريع والعمل القضائي المغربي والمقارن وفي الفصل الثاني: موضوع التصدي للأخبار الزائفة في ضوء العمل الصحفي المغربي والمقارن، وذلك في محاولة للإجابة عن جملة من الأسئلة والإشكالات القانونية والمهنية المطروحة، إلى جانب ملحق يضم نماذج مهمة من العمل القضائي المغربي في قضايا الأخبار الزائفة، وخاتمة هي على شكل توصيات لكل الفاعلين والمتدخلين في هذا المجال.
ويؤكد المؤلف في فصل التصدي للأخبار الزائفة في ضوء التشريع والعمل القضائي المغربي المقارن أن المشرع المغربي “أفرد لجربمة نشر خبر زائف أحكاما خاصة همت جانبها الشكلي المتعلق بالبحث والمتابعة والإختصاص والمحاكمة، والتنفيذ علاوة على الجانب الموضوعي المتصل بالركن المادي والمعنوي لهذه الجريمة” وفي هذا السياق تناول التأطير الإجرائي للأخبار الزائفة الذي يشمل مجموعة من القواعد الحمائية المشتركة بين جميع الجرائم الصحفية والمنصوص عليها في القانون 13-88 على غرار التشريع الفرنسي والمصري، والتي “تشكل خروجا على القواعد العامة فيما يتعلق بإجراءات البحث أو تحريك المتابعة القضائية أو الإختصاص او الإثبات او التقادم او المحاكمة او طرق التنفيذ”
وتوضيحا للقواعد الإستثنائية الخاصة بتحريك المتابعة القضاىية في جنحة نشر خبر زاىف أشار الأستاذ البعلي إلى “تقنية الإستدعاء المباشر كالية قانونية فريدة ووحيدة لتحريك المتابعة” موضحا أنه “لا يحق للنيابة العامة أو المطالب بالحق المدني اعتماد ٱية ألية أخرى لتحريك المتابعة” هذا الى جانب “اعتماد قاعدة التراتبية في تسطير المتابعات، والمنع الصريح من الإيقاف والإعتقال، وتقرير بطلان المتابعة لعدم تحديد الوقائع ووصفها القانوني في البحث التمهيدي”
أما الفواعد الحمائية الخاصة بالمحاكمة وتنفيذ الحكم فالكاتب استعرض بالتحليل والدراسة المفصلة “قاعدة اعتماد وساىل خاصة لطرق الإثبات، تقليص أجل التقادم خلافا للجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي، وهو الاستثناء الذي يشمل الدعوى الجناىية والدعوى المدنية عكس الفصل 14 من مدونة المسطرة الجنائية” كما أوضح أن “المشرع أفرد استثناء في تحديد ٱجال المحاكمة وعدم إمكانية تطبيق مسطرة الإكراه البدني” وهو نفس الإستثناء الذي امتد إلى “الإختصاص المكاني، وإقرار حالات خاصة بالإعفاء من الحضور إلى الجلسة”
وبالنسبة للتأطير الموضوعي لجنحة نشر الأخبار الزائفة فقد تناول الأستاذ البعلي المحاور التي تهم التعريف، الأركان والجزاء، مستعرضا موقف المشرع والقضاء المغربي والمقارن، مع إشارته إلى ملاحظات التي تهم الإطار التشريعي لمدلول “الأخبار الزائفة” ونطاق التطبيق، وسكوت المشرع عن تعريف الأخبار الزائفة، وكذلك حول إدراج المشرع لهذه الجريمة في باب العقوبات الخاصة بالنظام العام بعد تحديد عقوبة الإساءة للدين الإسلامي أو النظام الملكي او التحريض ضد الوحدة الترابية على نحو يعكس خطورة هذه الجنحة، وأخيرا ملاحظة حول اعتبار المشرع المغربي استعمال الاشاعات أو الاخبار الزائفة عناصر تكوينية لجنحة دفع الناخبين عن الإمساك عن التصويت.
وبعد أن تناول الكاتب الألية التشريعية والقضائية، تطرق في الفصل الثاني إلى موضوع المعالجة المهنية في التصدي للأخبار الزائفة في ضوء العمل الصحفي المغربي والمقارن، والتي تشمل الجانب الأخلاقي والإعلامي، حيث تعرض للأخبار الزائفة من منظور ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة بالمغرب وبعض التجارب المقارنة، إضافة إلى الألية الإعلامية والإلكترونية من خلال استعراض تجارب بعض المنظمات والإتحادات والمؤسسات الدولية والإقليمية، وأيضا تجارب بعض المنابر والمواقع والشركات الإخبارية الكبرى.
وفي هذا الإطار اعتبر الباحث أن “المقاربة الأخلاقية آلية ناجعة للتصدي للأخبار الزائفة، ذلك أن التزام الصحفي بنقل الخبر الصحيح والصادق عبر التحري من صحته هو التزام أخلاقي قبل أن يكون التزاما قانونيا أو دستوريا، وأن الاخلال به يشكل خرقا لمدونة السلوك المهني التي أصدرها المجلس الوطني للصحافة بصفته مؤسسة ضابطة للسلوك المهني والأخلاقي”
ويرى المؤلف أن “المجلس يمتلك سلطة واسعة في مجال التأديب عند رصد أي إخلال مهني أو أخلاقي يمس بشرف مهنة الصحافة وقيمها، وذلك اعتمادا على ميثاق الأخلاقيات الذي يؤسس لعناصر المسؤولية المهنية من خلال تقييد العمل الصحفي والإعلامي بمجموعة من الالتزامات الأساسية المتعلقة ضرورة البحث عن الحقيقة، معالجة الخبر والمعطيات المتحصل عليها وعدم التضليل واختلاق الأخبار الكاذية أو تزوير المعطيات وعدم التحلي بالنزاهة في الإعلان عن المعطيات الموجهة للقراء أو الشركاء.
ودائما في إطار ضوابط أخلاقيات المهنة والعمل الصحفي الملتزم أشار الأستاذ البعلي إلى ما يشكله “حق الرد أو التصحيح من ألية قانونية تساعد على التصدي للأخبار الكاذبة، لما تتيحه من إمكانية التصحيح بصفة تلقائية وسريعة للأخبار الزائفة حيث تناول قانون الصحافة والنشر هذا الحق في المواد من 115 إلى 124 بالشكل الذي يجعل منهما حقا من الحقوق العامة المطلقة والشخصية” مع التأكيد على أنه “ليس من الضروري أن يكون الخبر خاطئا أو المادة الإعلامية قد مست بالشرف أو بالاعتبار الشخصي”
وتساءل الأستاذ عبد العزيز البعلي في مؤلفه حول “ما إذا كان يكفي، اليوم، الإلتزام بميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة للحد من انتشار الأخبار الزائفة في ظل ممارسة عملية النشر من قبل أشخاص لا علاقة لهم بميدان الصحافة والإعلام، وانتشار وسائل التواصل الرقمية الحديثة؟ وما هي سبل الحماية من هذه الظاهرة؟ بل وكيف يمكن للصحافة أن تحمي نفسها من هذا التهديد الحقيقي لمبادئها وقيمها العريقة عبر تبني ميثاق للصحافة في العصر الرقمي” .
ويقول الكاتب أنه في ظل ما أصبح يعرف بالحتمية التكنولوجية “بادرت بعض التجارب الإعلامية إلى إعداد دلاىل للأخلاقيات تساير العصر الرقمي وتبشر ببناء منظومة أخلاقية جديدة، ومن بينها التجرية الأممية الدولية وايضا التجربة الأوربية من خلال المؤسسة الإعلامية “هيئة البث البريطانية BBC” إلى جانب التجربة الأمريكية “نيويورك تايمز” والتجربة العربية من خلال “شبكة الجزيرة الإعلامية”
وأوضح الكاتب أنه “إلى جانب القواعد الأخلاقية، تبرز في الجانب الأخر للممارسة الإعلامية أهمية الوسائل والآليات الإعلامية في عملية التحري والتدقيق في صحة الخبر والمعلومة، والتوعية بخطورة الأخبار الزائفة وتداعياتها السلبية” وقد اورد في هذا السياق “بعض التجارب المقارنة التي تشمل مؤسسات ومنظمات ومنابر واقع وشركات إعلامية رائدة مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، و”الشبكة الدولية لفحص الوقائع” و”الإتحاد الدولي الجمعيات ومؤسسات المكتبات” وأخيرا “الاتحاد الأوربي”، إلى جانب تجارب بعض المنابر والمواقع والشركات الإخبارية الكبرى التي تشمل جريدتي “لوموند” و”ليبيراسيون” ومواقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” “تويتر” “واتساب” ومحرك البحث “غوغل” ثم موقع “موسوعة ويكيبيديا”.
المسار الضحفي، العدد 560

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.