موقع إخباري شامل

مقلع أيت قمرة: قرار “خفي” يثير الغبار والجدل

0

قد يبدو غريبًا أن تجد نفسك أمام قرار قد أُخذ منذ سنوات دون أن تعلم عنه شيئًا، هذا هو الحال بالنسبة لساكنة أيت قمرة، التي اكتشفت أخيرا أن المقلع، الذي يشكّل لهم مصدرًا للأذى اليومي، ستصبح عائداته الضريبية تؤذي لجماعة إزمورن بعدما تم تحويل التبعية الترابية للمقلع إلى هذه الأخيرة بموجب قرار صدر عن وزارة الداخلية سنة 2019.
الأغرب من ذلك هو أن القرار، الذي وقع عليه وزير الداخلية وأُعلن عنه بشكل محتشم، لم يعلم به أحد، سواء تعلق الأمر بالجماعات المعنية، ٱيت قمرة وإزمورن او عمالة الحسيمة، ولم يتم اكتشافه إلا بعدما تقدم صاحب المقلع بطلب لإنجاز مشروع خدماتي بنفس المنطقة، ليجد نفسه مطالبا بإحضار ترخيص من جماعة إزمورن.
في هذا السياق، يُطرح السؤال: كيف تم اتخاذ هذا القرار؟ ومن كانت الجهة التي تم التشاور معها؟ وما الذي يجعل هذه القرارات تُتخذ بعيدًا عن الأعين، في غياب أي إشعار رسمي للمعنيين، سواء كانوا سكانًا أو مجالس جماعية أو حتى السلطات المحلية؟ الجواب ببساطة هو غياب الشراكة الحقيقية، وارتجالية اتخاذ القرارات في الدولة.
من الناحية الشكلية، فإن عملية نقل تبعية المقلع كانت وفقًا لقرار وزاري تم نشره في الجريدة الرسمية 2019، ولكن ذلك تم بشكل “شبه سرّي” حيث لم يتم إعلام أي من الأطراف المعنية بهذا التغيير، ولم تُفتح أية أبواب للنقاش، ولم يسمح لأي طرف بالتعبير عن موقفه أو تقديم اعتراضاته، فقد غابت التقييمات الميدانية والدراسات الدقيقة، لتحل محلها قرارات إدارية مبهمة.
فقد غاب عن هذا القرار أي نوع من التشاور والإشراك الفعلي للساكنة، وبالرغم من مزاعم الدولة المتكررة حول الشفافية والمشاركة فالذي جرى يعيد إلى الأذهان نماذج من القرارات المغلقة التي تُصاغ في دهاليز الإدارة، بعيدًا عن الساكنة، في تجاهل تام لحقوقهم ومواقفهم، مما يُفرغ الخطاب الرسمي من محتواه.
هذه اللامبالاة تولد شعورًا عامًا بالعزلة، وتُكرّس الإقصاء من تدبير الشأن المحلي، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى التزام الدولة بـ.”الحكامة الجيدة”، الواقع يظهر تناقضًا صارخًا بين الخطاب الرسمي والممارسة الميدانية، فإذا كانت الدولة تدعي أنها تسعى لتحقيق إشراك الساكنة وممثليهم في القرار، فإن ما يحدث على الأرض يؤكد العكس.
يتضح أن الدولة كثيرًا ما تختزل مفهوم التشاور في خطابات وتصورات لا تُطبق، في غياب تام للانسجام بين التقطيع الإداري والجغرافيا والواقع الاجتماعي، قرارات مثل هذه تُتخذ بشكل عشوائي، لا يراعي خصوصية المناطق، بل تُفرض من الأعلى وفق اعتبارات إدارية لا تراعي المصلحة المحلية.
قرارات من هذا النوع تنطلق من منطق إداري صرف يتجاهل البيئة وحقوق الساكنة، فالمقلع يخلّف أضرارًا بيئية وصحية فادحة لساكنة جماعة أيت قمرة، بينما ستستفيد جماعة أخرى من عائداته، فمن غير المنصف أن تتحمل منطقة الأذى اليومي بينما تُحول “الأرباح” إلى جهة لا تتضرر بشيء.
في الوقت الذي تُبتكر فيه آليات جديدة لتدبير الشأن المحلس تُتخذ قرارات مصيرية دون مراعاة حق السكان في التعبير أو المشاركة، بل يُنسى تمامًا أن هناك أناسًا متضررون يعيشون يوميا وسط الغبار والضجيج ويُفرض عليهم الألم دون مقابل والمعانات دون أي “تعويض” أو حتى إشراك في اتخاذ القرار
هذا الوضع يكشف غياب مقاربة مندمجة حقيقية من شأنها بناء شراكة بين الدولة والمواطنين، تُبنى على تحديد الأولويات الجماعية ومشاركة فعلية في القرار، وهو ما يكرّس فجوة ثقة بين السلطة والسكان، ويُضعف فعالية التدبير الترابي في ظل استمرار العمل بشكل أحادي
من المؤسف أن نجد أنفسنا في دوامة من قرارات غامضة تُخدم مصالح غير معلنة، بينما تتحمل الساكنة الثمن، متى ينتهي هذا النهج؟ متى يتحقق فعليًا ما يُقال عن التشاور والشفافية؟ متى سيُمنح المواطنون حقهم في المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات؟ ومتى يتم بناء ممارسات حقيقية تُنصف المواطن، وتضعه في قلب القرار لا خارجه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.