في المعارض الدولية، يُفترض أن نعرض فنوننا لا فنون الهروب، أن نمثّل الوطن لا أن نستغله، أن نكون صورة منيرة للديمقراطية لا نقطة سوداء في التأشيرات “الديبلوماسية”، لكن غرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة – تطوان- الحسيمة، تحت رئاسة السيد أحمد بكور، ارتأت، فيما يبدو، أن تساهم في مهرجان “مغرب آخر” لا علاقة له بالحرف، بل بالحركات الخاطفة نحو الضفة الأخرى، حيث لا يعود الحرفي حرفيًا، بل مهاجرًا متخفيًا خلف جدران المعارض.
المعرض الدولي ب “تاراغونا” الذي جاء في سياق الانفتاح الثقافي والتعاون الحرفي، تحوّل إلى درس قاسٍ في إدارة الفضائح بصمت بليغ، إحدى المشاركات، وُضعت ضمن الوفد الرسمي المختار بعناية السيد الرئيس، قررت بكل بساطة ألا تعود، لا بيان، لا توضيح، لا إشارة إلى ما إذا كان الوفد ذهب لتمثيل الوطن أم لاختبار نجاعة “طرق الهروب الآمنة من المطارات المغربية”، كأن الأمر عابر، وكأن الهروب تقليدٌ جديد في الصناعة التقليدية.
المثير أن من تم إقصاؤهم مسبقًا بدعوى احتمال “الحريك”، كانوا أكثر التزامًا من “الوفد المصنّف رسميا”. وما حدث لا يُحرج فقط الرئيس أحمد بكور، بل يُحرج منظومة كاملة تزكّي وتُصادق وتبارك، ثم تتهرب حين تنفجر النتيجة، وهنا لا يُطرح فقط سؤال الكفاءة، بل أيضًا سؤال الضمير المؤسسي: كيف تختارون ممثلين للجهة وأنتم تشككون سلفًا في نوايا الباقين؟ وهل معيار التزكية هو الحرفة أم مهارة التسلل؟
وهنا نفتح دفتر الحسابات مع الأحزاب، أليست هي من زكّت هؤلاء المستشارين؟ أليست هي من رشّحتهم لحمل وجه المغرب الديمقراطي في المؤسسات الجهوية؟ أم أن الشعارات الانتخابية لا تضع في حسبانها أن “الهارب من المعرض” قد يصبح عنوانًا في صحيفة إسبانية؟ متى نكفّ عن اعتبار المؤسسات مجرد جوائز ترضية انتخابية؟ متى يصبح التمثيل مسؤولية لا مكافأة؟ ومن يضمن اليوم أن نرسل غدًا وفدًا لا يتحوّل إلى بعثة “ذهاب بلا إياب”؟
لكن، الأدهى من كل هذا هو موقف السيد بكور شخصيًا، الرجل الذي أشرف بنفسه على تشكيل الوفد واستبعاد من لم “يثق بهم”، لم يخرج بعدُ ليشرح أو يُكذب أو حتى يعبّر عن أسفه، هل أصبح الكرسي أهم من سمعة الوطن؟ هل يُعقل أن يُفقد أحد أعضاء الوفد في مهمة رسمية، ولا نسمع حتى همسًا من رئيس الغرفة؟ أين المسؤولية؟ وأين الشفافية التي نتغنى بها؟ أم أن شعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة” لا يشمل غرفنا الحرفية؟
لقد أُهينت صورة الغرفة، وتزعزعت ثقة الحرفيين، وتعرّضت المؤسسات المنتخبة لصفعة أمام الشركاء الإسبان، وهي صفعة لا تُعالج بالصمت، بل بتحمل المسؤولية، واستدعاء الضمير، والارتقاء فوق المصالح الضيقة، ما وقع ليس زلّة فرد، بل علامة على خلل في التكوين والاختيار والتأطير، وهو ما يستوجب، لا فقط توضيحًا من الرئيس، بل فتح تحقيق شفاف يُسائل كيف تُدار مؤسسات تحمل في ظاهرها وجه المغرب، وفي باطنها، أحيانًا، بوّابة خفية للهروب
حين تفرّ من الوطن باسم تمثيله، وتُختار ببطاقة تزكية لتُبدّد الثقة، فنحن أمام واجب وطني، لا فقط في المحاسبة، بل في إعادة النظر في مفهوم “التمثيلية” ذاته، يجب أن لا تكون الغرف المهنية حلبة تصفية حسابات ضيقة، بل حصونًا للجدية والكفاءة والالتزام، وعلى الأحزاب أن تتحمّل، بدورها، وزر الترشيحات الفوضوية التي تصنع مثل هذه اللحظات المخجلة في الذاكرة المؤسساتية المغربية، “تاراغونا” كانت درسًا، والدرس لا يُنسى إن كُتب بتذكرة طائرة بلا عودة، فهل من يعتبر؟
تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.